قصة الرباعية:[b]
إذا كانت البطولة تنتهي حتماً بصعود وتتويج البطل، وإعلان الأفراح والليالي الملاح، حيث يتوشح الأبطال بالذهب، وترتفع الأعلام والشعارات والهتافات وتنبري الأقلام بمدح النجوم الذين اعتلوا القمة وتخطوا الصعاب بعزيمة الرجال، وترتفع الأيادي بعلامات النصر وتشرئب الأعناق من الفرحة لأنصار الأبطال في كل مكان. فإن ترصد الخطوات الأولى للبطل وتقصي أوضاع الفريق قبل بدء مهمة البحث عن الذهب، ومحاولة النقاط الخيوط الأولى التي صنعت القماشة الفريدة لراية النصر والمجد، إذا كان ذلك كله ضرورياً وحيوياً ومطلوباً لمعرفة كيف وصل البطل للقمة وكيف اقتنص الذهب وحقق البطولة. وإذا كان هذا صعباً للغاية لاختلاف الرؤى، فماذا عسانا أن نفعل مع بطل غير عادي، دخل التاريخ من أوسع أبوابه. لم يكتف ببطولة واحدة ولم ترضي طموحه الثانية ولم يقنع بالثالثة ولا يتوقف حدوده عند الرابعة التي حقق بها أكبر إنجاز يتحقق لفريق في القرن العشرين أننا هنا نتحدث عن الاتحاد العميد الفريد العنيد السعيد صاحب رباعية القرن (كأس الاتحاد - وعرش الخليج - وزعامة آسيا - وسيد فرق كأس دوري خادم الحرمين الشريفين، في موسم واحد 1419هـ). هذا الفريق الذي حفر اسمه في سجلات التاريخ بإنجازه غير المسبوق ونجومه الأفذاذ الذين يمتلكون روحاً وثابة إلى تحقيق كل جديد باسم ناديهم ولديهم شهية مفتوحة عن آخرها للبطولات والكؤوس فهي تقول لهما دوماً (هل من مزيد)، هؤلاء الأبطال رجال العميد سيجعلونا نتحمل عناء البحث ومشقة الرصد، وكله من أجل العميد الذي حقق المعادلة رغم صعوبتها بفضل تكامل عناصر النجاح التي عزفت سيمفونية النصر وأعلت راية المجد من الإدارة الواعية بمسؤوليتها ، والجهاز الفني الخبير بقدرات وإمكانيات لاعبيه وطبيعة المنافسة في كل بطولة يخوضها والذي درس بجدية وبذكاء مطلق خطط ومستويات خصومه في كل المراحل إلى لاعبين لا يعرفون شيئاً اسمه المستحيل ولا يرضون على أنفسهم الهزيمة. هذه المعطيات هي التي أفرزت رباعية القرن لعميد الفن فما هي قصة هذه الرباعية؟.
كأس الاتحاد لهذا الاتحاد :
كانت مسابقة كأس الاتحاد فاتحة خير على العميد والذي بدأ موسم التصحيح بعودة ربان السفينة والرئيس المثالي أحمد مسعود والذي تولى زمام الأمور خلفاً لطلعت لامي صاحب الثلاثية المحلية (كأس الاتحاد وكأس ولي العهد وكأس خادم الحرمين الشريفين) حيث عمل المسعود على إعادة ترتيب الأوراق المبعثرة واستدعى ديمتري قائد المنتصرين الذي لبى النداء على الفور وجاء يعيد العميد لمجد جديد حيث أعلن منذ وصوله إلى العروس بأنه قادر على أن يعيد الفريق إلى مكانه الطبيعي إلى ساحة التتويج والبطولات الذهب بعد أن ضل الطريق وترك حصته من بطولات الموسم الفائت لغيره، وبدأت مهمة ترميم الصفوف لدفع العميد للأمام، وبدأ تشكيل العجينة التي صنعت دائماً تورتة النصر حيث خاض الفريق فترة إعداد طويلة وشاقة من أجل التحضير والاستعداد لموسم غير عادي شارك فيه الاتي في ست بطولات، ودافع فيه النجوم عن مكانتهم وسمعتهم أمام الذين شككوا في قدراتهم وإمكانياتهم، بل أيضاً ردوا على من حاول التقليل من إنجازهم بالفوز بالثلاثية وكان يعتبرونها مجرد ضربة حظ، وأثبتوا بما لا يدع مجالات للشك بأن أبناء العميد هم رجال المواقف، ولديهم الطموح وبداخلهم الحماس والروح.. وأقدامهم هي الأقوى والأكثر ثباتاً على البساط الأخضر وأن فريقهم متكامل الأركان، قوي الأساس، يمتلك صفوة نجوم الكرة السعودية المدعومة بقاعدة جماهيرية غفيرة وواعية بمسؤولياتها وأهدافها وطموحاتها. خاض الفريق خلال مسابقة كأس الاتحاد 10مباريات في المرحلة التمهيدية قبل أن يتأهل للمباراة قبل النهائية ويكون قاب قوسين أو أدنى من البطولة وقبل أن يتمسك بخيط الأمل ويكتب أولى سطور الرباعية، حيث تصدر الاتحاد المجموعة الأولى برصيد 25نقطة جمعها من 8انتصارات وتعادل في واحدة أمام النصر وخسر مثلها من الرياض، وهي الخسارة الأولى له في البطولة، وأكد عزمه للتربع على الصدارة، وفجر إمكانياته بتسجيل 23هدفاً وهُزت شباكه 12مرة، وقد تأهل الفريق بجدارة للدور نصف النهائي ليواجه منافسه العنيد فريق الوحدة واستطاع الاتحاد يومها عزمه الأكيد على التأهل للنهائي ليضمن ولو مؤقتاً الصعود لمنصة التتويج وتحقق له ذلك بتوقيع نجمه الموهوب الصاعد خالد الشمراني الذي سجل هدفين نظيفين خرج بهما العميد فائزاً واقترب خطوة من أول كأس وليتأهل للنهائي ومواجهة الشباب ويومها قال المايسترو خميس الزهراني كلمته وأثبت موهبته بهدفه الذهبي الذي حسم أول بطولات الموسم لصالح العميد.
يوم التتويج وحمل الكأس :
بعد أن وصل القطار إلى محطته الأخيرة.. كانت قلوب جماهير الفريقين تنتظر لحظة تتويج وإعلان بطل كأس الاتحاد الخامسة عشرة والتي كانت حائرة بين العميد والشيخ، وكانت المباراة بمثابة التحدي الحقيقي للفريقين لإثبات قدرتهما على حسم اللقب بعد تشابه مستوى ومشوار الفريقين حيث كان الشباب هو الآخر متألقاً ومتوهجاً تحت قيادة مدربه البرازيلي فييرا، ولكن الاتحاد الذي كان يبحث عن اللقب الثاني خلال هذه المسابقة وعن المزيد من الإنجازات على يد مدربه البلجيكي ديمتري ورغبته في افتتاح الموسم بدفعة معنوية كبيرة وببطولة أولى جعلته أكثر تصميماً على الفوز باللقب الذي بات وشيكاً وتحقيقه لا يحتاج إلا للتركيز ومزيد من الإصرار، وبالفعل كان الفوز من نصيب نجوم الاتحاد حيث صعد الجميل (السد العالي) قائد الفريق واستلم أولى الكؤوس الرباعية من يد الدكتور نزيه نصيف أمين جدة الذي سلم الأبطال الذهب وترك للشباب الوصافة والمركز الثاني بعد أن كان نداً عنيداً وخصماً كبيراً طوال شوطي المباراة، بل أنه كان الأكثر سيطرة طوال الشوط الأول ولكن ديمتري أعطى لاعبيه خلال استراحة الشوط الثاني مفتاح الفوز واستلام الكأس وأوعز للاعبيه بضرورة اللعب السريع والهجوم المضاد العنيف وتكثيف الوسط وبالفعل جاء هدف الفوز الوحيد من هجمة منسقة اختتمها خميس الزهراني مايسترو الوسط في شباك الشباب ليتوج العميد بطلاً للكأس التي استعادها من جديد بعد أن حققها الفريق للمرة الأولى عام 1408هـ أيضاً على حساب الشباب ثم أمام الأهلي عام 1417هـ.
العميد.. بطل الخليج :
حلت الكأس الخليجية في أحضان العميد والذي استقبلها بفرحة غير عادية لأنها البطولة الخارجية الأولى في سجله الناصع المليء بالكؤوس والدروع، ورغم أنه دائماً يقابله سوء توفيق في البطولات الخارجية ولكن كأس خليجي16 والتي استضاف نهائياتها كانت فاتحة خير وعربون صداقة مع العهد الجديد للعميد الذي انفتح فيه على القارية والإقليمية وأوشك من المجال العالمي، كما كانت الكأس الخليجية خير تعويض عن فقدان الكأس العربية التي ضاعت من بين يديه قبل معترك البطولة الخارجية بأسبوع واحد وأعادت الثقة لدى نجوم الاتحاد في قدرتهم على تحقيق البطولات بكافة أنواعها سواءً على المستوى المحلي أو الخارجي.
عميد البطولات.. أمام شارقة الإمارات :
لن ينسى الاتحاديون ذلك اليوم المجيد من تاريخهم يوم الجمعة 19شوال الموافق 5فبراير يوم أعلن ناديهم بطلاً لكأس الخليج السادسة عشرة للأندية أبطال الدوري، أول بطولة خارجية في سجل النادي رغم مشاركاته العديدة حيث كانت اللحظة المرتقبة والتي انتظرها الاتحاديون طويلاً وجاءت من بوابة الشارقة الإماراتي الذي اختتم به الاتي العرس الخليجي متوجاً مشواره المظفر بالكأس الغالي كأكبر هدية للوطن في عيده المئوي وكان العميد عريساً متوجهاً متوشحاً بالذهب بعدما نجح في تحقيق الفوز الخامس وسجل للشارقة (على ثاني) من ضربة جزاء فيما أضاع أحمد جميل ضربة جزاء مثلها وقبلها ليسدل الستار عن العرس ويودع أبناء الخليج من الفرق المشاركة أرض المملكة وعروس البحر الأحمر مدينة جدة بعد أن ساهموا في تتويج العميد وفرحوا معه بالبطولة التي ذهبت لمن يستحقها وعمل لها ببراعة وتنسيق وتطبيق داخل الملعب وخارجه وكانت البطولة اتحادية بجدارة حققها نجوم الفريق بدون تعادل أو خسارة.
الاتحاد بطل أكبر قارات العالم :
لم يكن أمام أبطال العميد فرصة لالتقاط الأنفاس فبعد أيام قليلة من فوزه ببطولة الخليج (فاتحة البطولات الخارجية في سجل النادي) كان على الأبطال أن يحزموا حقائبهم استعداداً لرحلة أخرى من رحلات قنص الذهب، فلا مجال للتفريط في كأس أخرى باتت وشيكة وقريبة المنال بعد أن قطع الأبطال مراحلها الأولى بنجاح ساحق.. وما بقي ليس بأصعب مما مضى، وبالفعل شد الاتحاديون الرحال إلى اليابان في رحلة شاقة قطعها الفريق في ساعات طويلة تعرضت فيها الطائرة لما يشبه الكارثة عندما تعطلت المحركات وكادت أن تهوي لولا العناية الإلهية التي رافقت بعثة العميد نحو المجد الجديد، فقد أوشك اللاعبون على الانهيار لتعرضهم لظروف لم يتعرضوا لها من قبل ولم يكونوا يعلمون بأن الرحلة التي بدأت متعثرة بهذا الشكل سوف تكلل ببطولة أكبر القارات لتستمر الصدارة السعودية لفرق آسيا وتبقى الكأس في حوزة السعوديين بعد أن عاد الاتحاديون بها وكانوا خير سفراء للكرة السعودية المتربعة على العرش الآسيوي.. وإذا كانت اليابان هي نقطة النهاية.. فقد قطع الاتحاديون مشواراً ليس أقل صعوبة ووعورة حتى نالوا اللقب الآسيوي وبدء من دوحة قطر وحتى طاشكند، وانتهاء بطوكيو التي شهدت تتويج الأبطال بثاني بطولة خارجية في سجل العميد مع بداية العام الهجري الجديد 1420هـ.