[b]عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر أنا، قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر أنا. قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر أنا، قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر أنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة ".
تضمّن الحديث أربع أعمال من أعمال البر والخير التي يحبها الله - عز وجل -، أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أنهن ما اجتمعن في عبد في يومٍ إلا دخل الجنة ".
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الله ربنا والإسلام ديننا ومحمد نبينا وذلك من فضل ربنا.
فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة.
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
(رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ).
سبحان من له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون.
سبحان الأول فليس قبله شيء والآخر فليس بعده شيء.
كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون.
ملخص المادة العلمية
1- فضل الصيام ومكانته في الإسلام.
2- الأيام التي حث الشارع على صومها تطوعاً.
3- فضل إتباع الجنائز وكيف يكون.
4- فضل إطعام المساكين وذم البخل بذلك.
5- فضل عيادة المريض وآدابها.
أولها: الصيام، ومعلوم أن المراد به صيام التطوع.
إن الله - تعالى - فرض علينا صيام رمضان، وسن لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - صيام أيام طوال العام ليظل المسلم متلبّسا بهذه العبادة، موصولاً بها؛ لأنها من أحب العبادات إلى الله - عز وجل -، بل هي العبادة التي اختصّها الله لنفسه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " قال الله - عز وجل -: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ".
ولذا أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن: " كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف " قال الله - تعالى -: " إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزئ به، يدع شهوته وطعامه من أجلي"
ومعنى ذلك أن ثواب الصيام يضاعف أكثر من سبعمائة ضعف كثرة لا يعلمه إلا الله الكريم الذي عنده خزائن كل شيء: (وما كان عطاء ربك محظورا) [الإسراء: 20].
وقد كثرت الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضل صيام التطوع، منها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: " ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا ".
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إن في الجنة باباً يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد ".
وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: " أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: مرني بعمل يدخلني الجنة، قال: عليك بالصوم فإنه لا عدل له، ثم أتيته الثانية فقال: عليك بالصيام ".
ولقد رغّب - صلى الله عليه وسلم - في صيام أيام بعينها: منها: الإثنين والخميس.
وقال فيهما: " تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم ".
ومنها: ثلاثة أيام من كل شهر.
وقال فيها: " صيام ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر ".
وأرشد أن تكون أيام البيض، فقال لأبي ذر- رضي الله عنه-: " إذا صمت من الشهر ثلاثا فصم ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة ".
ومنها: صيام يوم عرفة، وسئل - صلى الله عليه وسلم - عنه فقال: " يكفر ذنوب سنتين: الماضية والباقية ".
ومنها: عشر ذي الحجة: فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يصومها.
ومنها: يوم عاشوراء.
فقد صامه - صلى الله عليه وسلم - وأمر بصيامه، وسئل عنه فقال: " يكفّر ذنوب السنة الماضية ".
ويستحب أن يكون معه تاسوعاء؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - عزم على صيامه فتوفي قبل أن يدركه
ومنها: الإكثار من الصيام في شعبان، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يفعله، حتى قالت عائشة -رضي الله عنها-: " كان - صلى الله عليه وسلم - يصوم شعبان إلا قليلا ".
الثاني من الأعمال: اتباع الجنائز، وقد جعله النبي - صلى الله عليه وسلم - حقاً من حقوق المسلم على المسلم، فقال - صلى الله عليه وسلم -: " حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس ".
وقال - صلى الله عليه وسلم -: " عودوا المريض، واتبعوا الجنائز تذكركم الآخرة ".
واتباع الجنائز على مرتبتين:
الأولى: اتباعها من عند أهلها حتى الصلاة عليها.
والثانية: اتباعها من عند أهلها حتى يفرغ من دفنها.
ومما لا شك فيه أن المرتبة الثانية أفضل من الأولى، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان ". قيل: وما القيراطان؟ قال: " مثل الجبلين العظيمين ".
ومما لا شك فيه أن هذا الفضل العظيم في اتباع الجنائز إنما هو لمن شهدها لله لا لغيره،، كما جاء في رواية أخرى: " من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً وكان معها حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط ".
كما أن هذا الفضل إنما هو للرجال دون النساء؛ لأن النساء منهيات نهى تنزيه عن اتباع الجنائز، كما قالت أم عطية -رضي الله عنها-: " نهانا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا ".